فصل: البطاح ومالك بن نويرة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.البطاح ومالك بن نويرة.

لما انصرفت سجاح وراجع بنو تميم الإسلام أقام مالك بن نويرة متحيرا في أمره واجتمع إليه من تميم بنو حنظلة واجتمعوا بالبطاح فسار إليهم خالد بعد أن تقاعد عنه الأنصار يسألونه انتظار أبي بكر فأبى إلا انتهاز الفرصة من هؤلاء فرجعوا إلى اتباعه ولحقوا به وكان مالك بن نويرة لما تردد في أمره فرق بني حنظلة في أموالهم ونهاهم عن القتال ورجع إلى منزله ولما قدم خالد بعث السرايا يدعون إلى الإسلام ويأتون بمن لم يجب أن يقتلوه فجاؤا بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة أنهم أذنوا وصلوا فحبسهم عند ضرار بن الأزور وكانتة ليلة ممطرة فنادى مناديه أن ادفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة كناية عن القتل فبادر ضرار بقتلهم وكان كنانيا وسمع خالد الواعية فخرج متأسفا وقد فرغوا منهم وأنكر عليه أبو قتادة فزجره خالد فغضب ولحق بأبي بكر ويقال: إنهم لما جاؤا بهم إلى خالد خاطبه مالك بقوله: فعل صاحبكم شأن صاحبكم فقال له خالد: أو ليس لك بصاحب؟ ثم قتله وأصحابه كلهم ثم قدم خالد على أبي بكر وأشار عمر أن يقيد منه بمالك بن نويرة أو بعزله فأبى وقال: ما كنت أشيم سيفا سله الله على الكافرين وودى مالكا وأصحابه ورد خالدا إلى عمله.

.خبر مسيلمة واليمامة.

لما بعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل استعجل عكرمة فانهزم وكتب إلى أبي بكر بالخبر فكتب إليه لا ترجع فتوهن الناس وامض إلى حذيفة وعرفجة فقاتلوا مهرة وأهل عمان فإذا فرغتم فامض أنت وجنودك واستنفروا من مررتم عليه حتى تلقوا المهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت وكتب إلى شرحبيل يمضي إلى خالد فإذا فرغتم فامض أنت إلى قضاعة فكن فكن مع عمرو بن العاص على من ارتد منهم ولما فرغ خالد من البطاح ورضي الله عنه أبو بكر بعثه نحو مسيلمة وأوعب معه الناس وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد وعلى الأنصار ثابت بن قيس والبراء بن عازب وتعجل خالد إلى البطاح وانتظر البعوث حتى قدمت عليه فنهض إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثير يقال أربعون ألف مقاتل متفرقين في قراها وحجرها تعجل شرحبيل كما فعل عكرمة بقتال مسيلمة فنكب وجاء خالد فلامه على ذلك.
ثم جاء خليط من عند أبي بكر مددا لخالد ليكون ردءا له من خلفه ففرت جموع كانت تجمعت هنالك من فلال سجاح وكان مسيلمة قد جعل لها جعلا.
وكان الرجال بن عنفوة من أشراف بني حنيفة شهد لمسيلمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه معه في الأمر لأن الرجال كان قد هاجر وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن وتفقه في الدين فلما ارتد مسيلمة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلما لأهل اليمامة ومشغبا على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بني حنيفة منه واتبع مسيلمة على شأنه وشهد له وكان يؤذن لمسيلمة ويشهد له بالرسالة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعظم شأنه فيهم وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره وكان مسيلمة يسجع لهم بأسجاع كثيرة يزعم أنها قرآن يأتيه ويأتي بمخارق يزعم أنها معجزات فيقع منها ضد المقصود.
ولما بلغ مسيلمة وبني حنيفة دنو خالد خرجوا وعسكروا في منتهى ريف اليمامة واستنفروا الناس فنفروا إليهم وأقبل خالد ولقيه شرحبيل بن حسنة فجعله على مقدمته حتى إذا كان على ليلة من القوم هجموا على مجاعة في سرية أربعين أو ستين راجعين من بلاد بني عامر وبني تميم يثأرون فيهم فوجدوهم دون ثنية اليمامة فقتلوهم أجمعين وقيل له استبق مجاعة بن مرارة إن كنت تريد اليمامة فاستبقى.
ثم سار خالد ونازل بني حنيفة ومسيلمة واشتدت الحرب وانكشف المسلمون حتى دخل بنو حنيفة خباء خالد ومجاعة بها أسير مع أم متمم زوجة خالد فدافعهم عنها مجاعة وقال: نعمت الحرة ثم تراجع المسلمون وكروا على بني حنيفة فقال المحكم بن الطفيل: ادخلوا الحديقة يا بني حنيفة فإني أمنع أدباركم فقاتل ساعة ثم قتله عبد الرحمن بن أبي بكر ثم تذامر المسلمون وقاتل ثابت بن قيس فقتل ثم زيد بن الخطاب ثم أبو حذيفة ثم سالم مولاه ثم البراء أخو أنس بن مالك وكان تأخذه عند الحرب رعدة حتى ينتقض ويقعد عليه الرجال حتى يبول ثم يثور كالأسد فقاتل وفعل الأفاعيل ثم هزم الله العدة وألجأهم المسلمون إلى الحديقة وفيها مسيلمة فقال البراء ألقوني عليهم من أعلى الجدار فاقتحم وقاتلهم على باب الحديقة ودخل المسلمون عليهم فقتل مسيلمة وهو مزبد متساند لا يعقل من الغيظ وكان زيد بن الخطاب قتل الرجال بن عنفوة وكان خالد لما نازل بني حنيفة ومسيلمة ودارت الرحى عليه طلب البراز فقتل جماعة ثم دعا مسيلمة للبراز والكلام محادثة يحاول فيه غرة وشيطانه يوسوس إليه ثم ركبه خالد فأرهقه وأدبروا وزالوا عن مراكزهم وركبهم المسلمون فانهزم وتطاير الناس عن مسيلمة بعد أن قالوا له أين ما كنت تعدنا؟ فقال: قاتلوا على أحسابكم وأتاه وحشي فرماه بحربته فقتل، واقتحم الناس عليه حديقة الموت من حيطانها وأبوابها فقتل فيها سبعة عشر ألف مقاتل من بني حنيفة وجاء خالد بمجاعة ووقفه على القتلى ليريه مسيلمة فمر بمحكم فقال: هوذا؟ فقال مجاعة: هذا والله خير منه ثم أراه مسيلمة رويجل دميم أخينس فقال خالد: هذا الذي فعل فيكم ما فعل فقال مجاعة: قد كان ذلك وإنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس وإن جماهيرهم في الحصون فهلم أصالحك على قومي وقد كان خالد التقط من دون الحصون ما جاء من مال ونساء وصبيان ونادى بالنزول عليها فلما قال له: أصالحك على ما دون النفوس وانطلق يشاورهم فأفرغ السلاح على النساء ووقفن بالسور ثم رجع إليه وقال: أبوا أن يجيزوا ذلك ونظر خالد إلى رؤس الحصون قد اسودت والمسلمون قد نهكتهم الحرب وقد قتل من الأنصار ما ينيف على الثلثمائة وستين ومن المهاجرين مثلها ومن التابعين لهم مثلها أو يزيدون وقد فشت الجراحات فيمن بقي فجنح إلى السلم فصالحه على الصفراء والبيضاء ونصف السبي والحلقة وحائط ومزرعة من كل قرية فأبوا فصالحهم على الربع فصالحوه وفتحت الحصون فلم يجد فيها إلا النساء والصبيان فقال خالد: خدعتني يا مجاعة فقال: قومي ولم أستطع إلا ما صنعت فعقد له وخيرهم ثلاثا فقال: له سلمة بن عمير لا نقبل صلحا ونعتصم بالحصون ونبعث إلى أهل القرى فالطعام كثير والشتاء قد حضر فتشاءم مجاعة برأيه وقال لهم لولا أني خدعت القوم ما أجابوا إلى هذا فخرج معه سبعة من وجوه القوم وصالحوا خالدا وكتب لهم وخرجوا إلى خالد للبيعة والبراءة مما كانوا عليه وقد أضمر سلمة بن عمير الفتك بخالد فطرده حين وقعت عينه عليه وأطلع أصحابه على غدره فأوثقوه وحبسوه ثم أفلت فاتبعوه وقتلوه وكان أبو بكر بعث إلى خالد مع سلمة بن وقش إن أظفره الله أن يقتل من جرت عليه الموسى من بني حنيفة فوجده قد صالحهم فأتم عقده معهم ووفى لهم وبعث وفدا منهم إلى أبي بكر بإسلامهم فلقيهم وسألهم عن اسجاع مسيلمة فقصوها عليه فقال سبحان الله هذا الكلام ما خرج من إلا ولا بر فأين يذهب بكم عن أحلامكم وردهم إلى قومهم.